G-WMDQDR3WB4
رأي

الدبلوماسية البحرية التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط

إن شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تلتقي همسات التاريخ مع متطلبات الحاضر الصارخة، عاد إلى الحياة بالطموح مرة أخرى. اخر تحركات تركيا, اتفاقية بحرية مقترحة مع سوريا، يرسل تموجات في جميع أنحاء المنطقة. إنها ليست مجرد مناورة سياسية، بل إنها بيان للغرض: خطوة نحو استعادة التوازن في بحر مثقل بالمطالبات المتنافسة والمظالم غير المعلنة.

وهذه ليست محاولة تركيا الأولى لإعادة تشكيل الديناميكيات البحرية في المنطقة. وفي عام 2019، تحدى اتفاقها مع ليبيا مطالبات اليونان وضمن وصول تركيا إلى ممرات الطاقة الحيوية. والآن يتبع الاتفاق المقترح مع سوريا نفس المسار: حلول عملية تحترم الجغرافيا وتتجنب التفسيرات الصارمة للقانون البحري. إن تركيا لا تسعى إلى المواجهة، بل تسعى إلى العدالة والتعاون لحل النزاعات المستمرة.

موقف اليونان الضعيف

وكما كان متوقعا، كان رد فعل اليونان قويا على هذا التطور. وأصدرت البلاد تحذيرات لأحمد الشرع، مهددة زعيم الإدارة السورية الحالية بضمان بقاء المجموعة التي أطاحت بديكتاتورية بشار الأسد على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية.

وكان تصريح الشرع لافتاً، إذ أعرب عن أن تنظيمه الذي يدير سوريا حالياً، سيتم حله في مؤتمر للحوار الوطني. ولذلك، تبدو تهديدات اليونان الآن عفا عليها الزمن، مع تغير الحقائق على الأرض في سوريا. إن قدرتها على التأثير على المنطقة من خلال مثل هذه الحجج آخذة في التلاشي.

وفي المقابل، تقدم تركيا رؤية تقوم على العدالة. وتصر اليونان على تفسير القانون الدولي، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، على النحو الذي يمنح الجزر الصغيرة مثل كاستيلوريزو أو ميس ــ التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن الساحل التركي ــ مناطق بحرية واسعة. وتقول تركيا إن هذا النهج ليس عادلاً ولا واقعياً.

وبموجب مبدأ العدالة، ينبغي أن تعكس الحدود البحرية الوضع الجغرافي. إن منح الجزر الصغيرة مناطق بحرية كبيرة يقوض حقوق الدول الساحلية الأكبر حجمًا. إن مطالبة اليونان بشأن ميس من شأنها أن تحد من وصول تركيا إلى موارد الطاقة الرئيسية في شرق البحر الأبيض المتوسط. إن موقف تركيا ليس مشروعاً فحسب، بل إنه يعكس أيضاً المنطق السليم.

وبدلاً من التورط في معارك قانونية مطولة، تفضل تركيا التفاوض والاتفاقات المتبادلة. وقد أثبت اتفاقها مع ليبيا فعالية هذا النهج، ويبني الاتفاق المقترح مع سوريا على هذا النجاح. وتظهر هذه الاستراتيجية قدرة تركيا على القيادة من خلال البحث عن حلول تحترم السيادة وتعزز الاستقرار.

الطاقة تحت الأمواج

إن شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ليس مجرد منطقة للمناقشات السياسية؛ وكما هو معروف، فهي غنية أيضًا بموارد الطاقة. توفر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي تحت سطح البحر فرصًا للنمو الاقتصادي وأمن الطاقة. ومن الممكن أن يفتح اتفاق تركيا مع سوريا الباب أمام هذه الموارد، ويعزز اقتصادها واستقلالها في مجال الطاقة.

لكن هذا يتعلق بما هو أكثر من مجرد الطاقة. وتعكس الجهود التي تبذلها تركيا رؤية أوسع للمنطقة. ومن خلال العمل المباشر مع إدارة أحمد الشرع، تثبت تركيا أن التعاون ممكن حتى في منطقة غالباً ما تتسم بالصراع. ويتناقض هذا مع سياسات اليونان والإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص، التي تعتمد تكتيكاتها المواجهة على حجج قانونية جامدة وروايات عفا عليها الزمن. إن تركيز تركيا على الحوار والحلول العملية يشكل مثالاً أكثر إيجابية.

وتُظهر التغييرات الأخيرة في شمال سوريا أيضًا كيف أن اعتراضات اليونان بدأت تفقد أهميتها. لسنوات عديدة، استخدمت اليونان الديناميكيات الداخلية في سوريا لدعم حججها الخاصة. ولكن اليوم، تحركت المنطقة إلى الأمام، وأدى النهج العملي الذي تبنته تركيا إلى جعلها لاعباً أقوى وأكثر مصداقية.

رؤية تركيا الأوسع

ولا يقتصر موقف تركيا على الدفاع عن مصالحها فحسب. يتعلق الأمر بإيجاد حلول عملية وعادلة. إن الاتفاقيات الثنائية، كتلك المقترحة مع سوريا، تحترم المصالح المشتركة لدول الجوار وتتجنب جمود الأطر الدولية التي لا تأخذ في الاعتبار الحقائق الإقليمية.

ويتجنب هذا النهج أيضًا التأخير والشكوك في معارك المحاكم الدولية. إن تركيز تركيا على المفاوضات المباشرة مع الجيران يضمن نتائج أسرع وأكثر فعالية مع تعزيز العلاقات الأفضل. وهذا يظهر أن تركيا دولة مستعدة للتصرف بشكل حاسم من أجل المنفعة المتبادلة، وليس فقط لكسب الحجج.

وعلى المدى الطويل، فإن مثل هذه الاتفاقيات تفعل أكثر من مجرد حل النزاعات الحالية. إنها تعزز الشراكات التي يمكن أن تستمر خلال التحديات المستقبلية. إن تركيا لا تحمي حقوقها فحسب، بل تضرب أيضًا مثالاً لكيفية ظهور الاستقرار والتعاون من خلال تاريخ من الصراع.

إن الاتفاق المقترح مع سوريا هو أكثر من مجرد تحرك سياسي أو قانوني؛ إنه انعكاس لقيادة تركيا التاريخية في المنطقة. تركيا لا تدافع فقط عن الحدود أو تبحث عن الموارد. وهو يقدم رؤية لكيفية تجاوز منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​انقساماتها نحو مستقبل مشترك مبني على العدالة والاحترام المتبادل.

هذه اللحظة لا تتعلق فقط برسم الخطوط البحرية أو الوصول إلى احتياطيات الطاقة. بل يتعلق الأمر بتشكيل المستقبل القريب والبعيد للمنطقة. وتذكرنا تصرفات تركيا بأنه حتى في المناطق الأكثر انقساما، يمكن للتعاون والدبلوماسية أن يؤديا إلى التقدم.

بينما تواصل أمواج شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إيقاعها الخالد، تبحر تركيا فيها بهدف ووضوح. فهو يوفر الأمل في أن العدالة والحوار يمكن أن يحلا محل التوتر والمنافسة، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا للجميع.

نشرة ديلي صباح الإخبارية

كن على اطلاع بما يحدث في تركيا ومنطقتها والعالم.


يمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. بالتسجيل فإنك توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية الخاصة بنا. هذا الموقع محمي بواسطة reCAPTCHA وتنطبق سياسة خصوصية Google وشروط الخدمة.

#الدبلوماسية #البحرية #التركية #في #شرق #البحر #الأبيض #المتوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى