الوسيط العالمي: نفوذ تركيا المتزايد في الدبلوماسية الدولية

وفي عالم يتسم على نحو متزايد بالتوترات المتزايدة والصراعات التي لم يتم حلها، تقف الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا كمثال للدبلوماسية التي تعمل على سد الانقسامات. إن الحل الذي تم التوصل إليه من خلال تسهيلات تركيا ليس مجرد نجاح محلي. فهو يعكس التزاماً أوسع نطاقاً بتعزيز الاستقرار في مشهد عالمي لا يمكن التنبؤ به.
وتركز الخلاف بين الصومال وإثيوبيا حول موافقة إثيوبيا على استئجار ميناء بربرة في “أرض الصومال”، وهي خطوة فسرتها الصومال على أنها تحدي مباشر لسيادتها. إن “جمهورية أرض الصومال” التي نصبت نفسها هي منطقة انفصالية غير معترف بها في شمال غرب الصومال. وهي تعمل مع حكومتها ومؤسساتها الخاصة. ومع ذلك، نظرًا لأنها دولة غير معترف بها، فإن أرض الصومال تعتبر دوليًا جزءًا من الصومال. وبدون تدخل طرف ثالث محايد، كان من الممكن أن يتصاعد هذا الخلاف إلى صراع طويل الأمد، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار القرن الأفريقي.
إن الدور الذي تلعبه تركيا في تعزيز الحوار وتسهيل “إعلان أنقرة” يعكس فلسفة دبلوماسية تقوم على الاحترام المتبادل والمشاركة البناءة. وكانت قدرة تركيا على تعزيز المصالح الإقليمية والاقتصادية المشتركة أمراً أساسياً في جلب كل من الصومال وإثيوبيا إلى طاولة المفاوضات. إن اعتماد إثيوبيا على ميناء أرض الصومال باعتباره شريان حياة للتجارة والاستقرار المالي جعل الحوار ضروريا. وبالنسبة للصومال، فإن موقف تركيا المحايد وعلاقتها الطويلة الأمد، والتي اتسمت بالمساعدات الإنسانية والاستثمارات في البنية التحتية، أكدا على احترام المخاوف السيادية. ومن خلال تقديم إطار عمل يوازن بين هذه الاحتياجات الحيوية، أنشأت تركيا منصة للتسوية، مما أدى في نهاية المطاف إلى تجنب الأزمة.
الوسيط في النزاعات الجيوسياسية
تركيا المساهمة في السلام في القرن الأفريقي ليست حالة معزولة. وعلى مدى العقد الماضي، قامت بالتوسط بشكل مستمر في الصراعات الدولية، وكانت النتائج ملموسة في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، قدمت مشاركتها في حرب أوكرانيا منصة حاسمة للحوار خلال فترة التوتر العالمي المتزايد. ومن خلال برامج مثل مبادرة حبوب البحر الأسود، منعت تركيا حدوث أزمة غذائية محتملة من خلال تمكين استمرار تصدير الحبوب الأوكرانية على الرغم من الأعمال العدائية المستمرة.
وفي قلب هذه الجهود الدبلوماسية يقف الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تبنت تركيا تحت إدارته سياسة خارجية نشطة. وقد سعى فريقه إلى وضع البلاد كوسيط قادر عبر القارات. كما لعب هاكان فيدان، المدير السابق لمنظمة الاستخبارات الوطنية ووزير الخارجية الحالي، دورًا رئيسيًا في تشكيل وتنفيذ هذه الاستراتيجيات. وقد سلطت خبرة فيدان وقيادته الضوء على الطبيعة المتعددة الأوجه للإنجازات الدبلوماسية التركية.
تركيا التورط في الحرب الأهلية السورية يسلط الضوء على تعاملها مع القضايا الدولية المعقدة. لقد ساهمت تركيا في الاستقرار الإقليمي والوعي العالمي بالأزمة الإنسانية المستمرة، من استضافة المفاوضات إلى الحد من العنف إلى توفير اللجوء لملايين النازحين. ورغم استمرار التحديات، تؤكد هذه الجهود تركيزها على إيجاد حلول عملية للصراعات التي طال أمدها.
نهج عملي
ويؤكد الاتفاق الصومالي الإثيوبي قدرة تركيا على تحويل الصراع إلى حوار. ومع ذلك، مثل أي مسعى دبلوماسي، فإنه يطرح أيضًا تحديات. ويظل اعتماد إثيوبيا على الوصول إلى موانئ أرض الصومال يشكل ضرورة استراتيجية، في حين من غير المرجح أن تتلاشى مخاوف الصومال بشأن السلامة الإقليمية قريباً. إن الحفاظ على التقدم المحرز في إعلان أنقرة سوف يتطلب مشاركة تركيا المستمرة والتعامل الدقيق مع هذه التوترات.
ومع توسع الملف الدبلوماسي العالمي لتركيا، تنشأ أسئلة حول كيفية موازنة القوى الناشئة بين النفوذ والحياد. إن الدور المتنامي الذي تلعبه تركيا كوسيط يتطلب منها الحفاظ على مصداقيتها باعتبارها جهة فاعلة محايدة، وهو الأمر الذي يصبح صعباً على نحو متزايد في الصراعات المعقدة. وفي حين حققت تركيا تقدماً ملحوظاً في تعزيز الثقة، فإن طبيعة النزاعات التي تتعامل معها سوف تختبر باستمرار قدرتها على البقاء غير متحيزة.
تقدم تركيا نهجا للدبلوماسية يركز على الحوار والحلول العملية بدلا من الهيمنة. إن قدرتها على تعزيز التعاون في سياقات متنوعة، سواء في حل النزاع الصومالي الإثيوبي أو معالجة صراعات أوسع مثل حرب أوكرانيا أو الحرب السورية، تثبت القيمة الدائمة للمشاركة البناءة. لقد وضعت تركيا نفسها كقوة براغماتية وناشئة في العلاقات الدولية من خلال الدخول في النزاعات التي قد يتردد فيها الآخرون. وكما أشار الدكتور كان ديفيسيوغلو، منسق دراسات شمال إفريقيا في ORSAM، في تحليل لوكالة الأناضول، فإن “نهج تركيا المحايد والبناء والشامل كان محوريًا لتحقيق هذا النجاح”.
ومن خلال نهجها البناء في التعامل مع الدبلوماسية الدولية، تعمل تركيا على تشكيل إرث من حل الصراعات. ورغم جسامة التحديات التي تواجهها تركيا، فإن مساهماتها في بناء السلام، وخاصة في مناطق مثل القرن الأفريقي، تثبت أن الحوار يظل أداة بالغة الأهمية لتعزيز الاستقرار حتى في عالم مجزأ.
#الوسيط #العالمي #نفوذ #تركيا #المتزايد #في #الدبلوماسية #الدولية