ولاية ترامب الثانية: تحول في السياسات الخارجية

في العشرين من يناير/كانون الثاني، سينتقل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واعداً بتغيير جذري في العديد من المجالات.
نعم، لم يتمكن ترامب في ولايته الأولى بين 2016 و2020 من إحداث تغييرات جذرية في المجالات التي وعد بها. وذلك لأن البيروقراطية العسكرية والمدنية قاومته، وأجرت وسائل الإعلام المركزية المؤيدة للديمقراطية حملة دعائية مكثفة ضد ترامب. وحتى حزبه لم يقف موحداً خلفه في مواجهة المعارضة.
ولكن هذه المرة، نحن نتعامل مع ترامب الأكثر خبرة. إنه يعرف المزيد عن مناطق المشاكل والثقوب السوداء. لقد نجح في صد إعلام الوسط الذي يسميه “الأخبار الكاذبة”. وإلى جانبه إيلون ماسك، رئيس وسائل التواصل الاجتماعي وما يسمى بـ “وسائل الإعلام الجديدة”. والأهم من ذلك كله أن ترامب يتمتع هذه المرة بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. ويقف الحزب الجمهوري خلفه الآن، والمعارضة، التي توحدت في كتلة ضد ترامب في الولاية الماضية بدعم من أجهزة الدولة، أصبحت الآن في حالة من الفوضى.
في أي مجالات السياسة الخارجية يهدف ترامب إلى إحداث تغييرات جذرية، وكيف يمكن أن تؤثر هذه العمليات على العلاقات التركية الأمريكية؟
ومن الواضح أن عنوان التغيير الأول سيكون حلف شمال الأطلسي. ويعتقد ترامب أن الولايات المتحدة تتحمل عبء الناتو. تمتلك تركيا، وهي عضو في المعاهدة التي تحرس حدودها الجنوبية الشرقية الأكثر أهمية، ثاني أكبر جيش وقد حققت هدفها المتمثل في تخصيص ما لا يقل عن 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع. ومع ذلك، يتم حرمانها من أبسط حقوق العضوية. وهي تخضع لحظر فعلي في قضايا مثل طائرات F-35 أو تحديث طائرات F-16 أو أنظمة الدفاع الجوي. إن تحركات ترامب لتغيير الأداء الحالي لحلف شمال الأطلسي يجب أن تثير قلق المسؤولين في بروكسل، وليس تركيا.
وعلى نحو مماثل، تنتظر الاتحاد الأوروبي أوقاتاً عصيبة. ويرى ترامب أن الاتحاد الأوروبي يشكل عبئا عديم الفائدة. فهو يريد أن يرى جهات فاعلة فردية، وليس اتفاقيات. وهو يعتقد أن نموذج العلاقة هذا من شأنه أن يقضي على البيروقراطية ويجعل حل المشكلات أسهل. إن النهج الذي يتبعه ترامب في التعامل مع الاتحاد الأوروبي، والذي أدى إلى تعثر تركيا لمدة 60 عاما، لا يشكل مشكلة بالنسبة لأنقرة؛ بل على العكس من ذلك، فهو يوفر الفرص.
قضية أخرى هي مكان تركيا في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. ترامب، الذي قال صراحة إن أوباما هو من أنشأ داعش، أعطى جنرالاته ثلاثة أشهر في ولايته الأولى لإنهاء المهمة ومغادرة سوريا. وفي الظروف الجديدة التي أعقبت الثورة في سوريا، قد يسحب الوجود العسكري الأمريكي من المنطقة، وهو ما يعتبره عديم الفائدة لبلاده. تركيا، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تقاتل داعش على الأرض، قد تقيم علاقات أوثق مع الولايات المتحدة في الفترة الجديدة.
وبالطبع لا أقول إنه مع ترامب ستتحول بيئة تركيا إلى حديقة ورود بلا أشواك. ففي نهاية المطاف، يعتبر كل من ترامب والرئيس رجب طيب أردوغان زعيمين يناضلان من أجل جعل بلديهما أقوى وأكثر فائدة. ومن الطبيعي أن تتصادم المصالح التركية والأميركية في بعض الأحيان، كما حدث في الماضي. على سبيل المثال، ستكون إسرائيل هي القضية الأكثر تعقيداً بين أنقرة وواشنطن في الفترة المقبلة. ولكن ما دام الحوار بين أردوغان وترامب، اللذين أظهرا إرادة صادقة في ممارسة الدبلوماسية، لم ينقطع، فلن تكون هناك مشكلة لا يستطيع البلدان التوفيق بينها.
#ولاية #ترامب #الثانية #تحول #في #السياسات #الخارجية